التقرير الختامي للندوة العلمية
في موضوع:
“جهود المغاربة في خدمة صحيح الإمام البخاري”
تحت شعار:
” يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين “
تحت العنوان والشعار المذكور أعلاه، نظم معهد الإمام نافع الخـاص للتعليم العتيق وفروعه بطنجة، بتنسيق مع المندوبية الجهويــة للشؤون الإسلاميـة بجهـة طنجة تطوان الحسيمة، والمجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة أصيلة، في إطار الأنشطة الثقافية الموازية للمعهد، وإبرازا لجهود علماء المغــرب في خدمة سنة رسول الله ﷺ ، وإسهاما في التنمية الثقافية والروحية والعلمية بالجهة، يومين دراسيين مباركين، التأم فيهما شمل ثلة من العلماء الفضلاء، والأساتذة الباحثين، في الندوة العلمية عن:
“جهود علماء المغرب في خدمة صحيح الإمام البخاري”
ويأتي هذا التقرير وفق العناصر الآتية:
أولا: سياقات.
ثانيا: خلاصات.
ثالثا: استنتاجات.
رابعا: توصيات.
خامسا: تقديرات.
أولا سياقات:
يأتي عقد هذه الندوة العلمية المباركة في سياقات مختلفة:
أولها: سياق تربوي علمي؛ يتمثل في استكمال معهد الإمام نافع لرسالته الإشعاعية التي ابتدأت منذ تأسيسه، وتوجت منذ عامين بعقد ندوتين مباركتين عن سيرة الرسول ﷺ العطرة، ويستمر كعادته في هذه الندوة بالتعريف بسنة الرسول وبجهود علماء المغرب الفحول في العناية بها في مختلف المجالات والحقول، دعما لمكتسبات الطلبة والطالبات، وإتاحة للفرصة أمامهم للتواصل مع العلماء المتخصصين، وتنمية لمهاراتهم وملكاتهم المعرفية.
ثانيها: سياق وطني؛ إذ تمثل هذه الندوة كسابقتيها تعزيزا لقيم المواطنة، ودعما للثوابت الدينية والوطنية، وإسهاما في بناء شخصية متوازنة قوية وسوية تقية ونقية مسترشدة بتوجيهات أمير المؤمنين محمد السادس السامية.
ثالثها: سياق مواجهة التحديات بالعلم والحكمة؛ إذ تتعرض السنة النبوية عموما وصحيح الإمام البخاري خصوصاً لحملة تشكيك مغرضة غايتها فصل الأمة عن أمهات الأصول، والطعنُ في علمائها ذوي الاجتهاد الأصيل.
ثانيا: خلاصات.
على مدى يومين عقدت في هذه الندوة خمس جلسات علمية مع جلسة افتتاحية، يمكن تلخيص مضامينها على النحو الآتي:
– بالنسبة للجلسات الافتتاحية التي ألقيت كلماتها باسم الجهات المنسقة والمنظمة، بينت أهمية الندوة مضامين ومقاصد، ومناسبتها زمانا ومكانا، وحجة وبرهانا، إشعاعا وإبداعا.
أما الجلسات العلمية الخمس فقدمها علماء أفاضل هم الدكتور: عبد الله البخاري، الذي أجاد في تجلية ما اشتملت عليه سيرة الإمام البخاري من اللطائف والأسرار، وكثرة الترحال في طلب العلم في سائر الأمصار والأقطار، بهمة عالية، وروح إيمانية قوية، ندر وجودها شبهها عند الكبار بله الصغار، واقفا على قيمة ما تركه الإمام البخاري رحمه الله من المصنفات والآثار، ولم يكن يفوت الفرصة للتوجيه إلى ما يصلح في إعادة تخريج طالب مسلم مغربي من أهل العلم الأخيار، يرفع من جديد لواء العناية بسنة النبي المختار.
والدكتور: عبد الحفيظ العبدلاوي في موضوعه النافع الماتع عن “منهج الإمام البخاري في تصنيف صحيح الجامع”، بين فيه منهج الإمام البخاري في توثيق السنة النبوية وشروطه في التصحيح والتضعيف، ولطائف نهجه في التصنيف باعتماد مسالك خاصة في التبويب والترتيب، مشعرة بصناعة حديثية دقيقة، وملكة فقهية عميقة، مقارنا إياه بمناهج علماء عصره، واقفا على ما تفرد به عن غيره، حتى حصل إجماع الأمة على تقديم جامعه الصحيح، وما حواه من دقة عالية في التعديل والتجريح، ونباهة في التضعيف والترجيح.
وتحقيقا لعنوان الندوة ومقصودها في بيان جهود علماء المغرب، قدم الدكتور العربي الدائز محاضرة بعنوان: “من جهود المغاربة المعاصرين في خدمة صحيح الإمام البخاري، الدكتور يوسف الكتاني نموذجا”، بين فيها مختلف جوانب اهتمام المعاصرين بالسنة النبوية عامة وصحيح البخاري خاصة، شروحا، وحواشي وتعليقات، وافتتاحات، وختمات، ومجالس مدارسته، وفهمه، وعادات في افتتاحه وختمه من قبل السلاطين والأمراء والعلماء على حد سواء، مسجلا ضعف الاهتمام بصحيح الإمام البخاري في البحث الجامعي المغربي، مبرزا جهود الدكتور يوسف الكتاني في إحياء الاهتمام بالإمام البخاري وصحيحه، وفي نفخ الروح في الدراسات الحديثية في المغرب، وختم كلمة بجملة توصيات من أجل إحياء الاهتمام بالصنعة الحديثية بالمغرب، وتجديد العناية بكتب الحديث وعلى رأسها صحيح الإمام البخاري.
أما اليوم الثاني فازدان بمحاضرتين:
الأولى: لفضيلة الشيخ الدكتور: سعيد الكملي زاده الله تعالى رفعة في الخير والكمال، عني فيها بالتعريف بصحيح الإمام البخاري من حيث سبب تأليفه، وموضوعه، ومنهجه، ومكانته، وقيمته.
والثانية: لفضيلة العلامة أبي الطيب مولود السريري الذي يحظى عند الجميع بالاحترام والتقدير، تناول فيها أصول النقد الموجه للدين وللسنة ومرجعياته الفكرية، حيث وقف على وجوب تفكيك أسس المنظومة الفلسفية التي ينطلق منها رافضو السنة، والمشككون في أصولها وأعلامها ورموزها، والكشف عن خلفياتها وأغراضها، ودعا إلى ضرورة التكوين العلمي للطلبة تكوينا متكاملا، جامعا بين الفهم العميق لعلوم الدين والعلوم الإنسانية والمنهجية وأصول النقد؛ من أجل تكوين ملكات الاستنباط والنقد والحوار العلمي البناء، وتنمية قدرات التفكير الإيجابي في التفاعل مع الواقع وحل مختلف معضلاته.
أما أسئلة الطلبة الكرام والطالبات الكريمات فدلت على نباهة في فهم المسائل والدلائل، ودقة في توجيه الأسئلة بما يخدم بيان القواعد، ويجلي ما خفي من المقاصد، ويرشد إلى ما يلزم في تجديد فقه الدين، وتجويد تدين المسلمين، وتحصين السنة وتحسين الجهود لإضاءة الدجنَّة، ودرء الفتنة.
ثالثا: استنتاجات.
انتهت أعمال هذه الندوة المباركة إلى نتائج واستنتاجات يمكن عرضها وفق الآتي:
أ- السنة النبوية أصل من أصول الدين، حفظها حفظ للدين وهدمها هدم للدين.
ب-عناية الأمة بالحفاظ على قواعد الدين والعناية بسنة سيد المرسلين، تنوعت صورها وتباينت مجالاتها وتكاملت جهود أعلامها، فأثمرت ثروة علمية في العناية بكتبها وتصنيفها وتبويبها وتوثيق أسانيدها وتتبع أحوال رجالها وأعلامها، وفقه أحكامها، واستمداد هداياتها، بناء على قواعد الشريعة ومقاصدها وغاياتها النبيلة.
ج-عناية المغاربة بخدمة صحيح الإمام البخاري يمكن تجليتها في جوانب ثلاثة:
– جانب العلماء: حيث ظل علماء المغرب على الدوام رواد الحماية للدين، وحراس الشريعة بفقه الدين وفقه الواقع، والتربية على التشبع بتوجيهات الإسلام في سائر الأحكام، لجلب مصالح الأنام.
– جانب خدمة الأمراء والملوك: فقد كانوا علماء بالدين، راجعين إلى اجتهاد علمائه، مشاورين في إجراء أحكامه، باذلين النصح والتوجيه في العناية بعلوم الدين وتدريسها والإشراف على دروسها، مثل: السلطان المولى محمد بن عبد الرحمان، والسلطان مولاي الحسن، والسلطان مولى عبد الحفيظ، والسلاطين الثلاثة: محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما، وأمير المؤمنين محمد السادس أيده الله تعالى ونصره.
– جانب خدمة المضمون والموضوع: شرحا واختصارا، تعليقا وتحشية، وتخريجا لأحاديثه من طرق أخرى، ورواية أسانيده، وتدريسه ومدارسته.
-واقع العناية بكتب السنة عموما وصحيح البخاري خصوصا لا تزال تشهد ضعفا يرجى استدراكه، وتوسيع الاهتمام به.
– النقد الموجه لكتب السنة وصحيح الإمام البخاري مبني على أصول باطلة مغرضة، خالية من أسس النقد العلمي السليم الرصين، غايتها إبطال الدين والتشكيك في عقيدة المسلمين، يحتاج فيه المسلمون عامة والمغاربة خاصة إلى تعزيز الهوية الإسلامية، وتثبيت دعائم العلوم الشرعية، وثوابت الأمة المغربية عبر التاريخ، تحت قيادة أمير المؤمنين الرشيدة محمد السادس الراعي الأمين لهذا البلد الأمين.
-أهمية الجمع في التكوين العلمي للناشئة بين علوم الشريعة على أصولها وقواعدها ومقاصدها، وبين علوم العصر، خاصة العلوم المادية والعلوم الإنسانية والمعارف الفلسفية.
رابعا: توصيات.
1-تخصيص كرسي صحيح الإمام البخاري في مدارس التعليم العتيق.
2-توجيه اهتمام الطلبة للتخصص في العلوم الشرعية عامة والعلوم الحديثية وكتب السنة.
3-طبع أعمال هذه الندوة وأعمال الندوات السابقة، وإخراجها في حلة أنيقة مناسبة لقيمة الموضوعات.
خامسا: تقديرات.
1-الشكر لله تعالى والحمد له وحده، فهو العلي القدير ولي الإنعام والتدبير والتقدير المطلق، هدى ووفق، وجمع عباده على مائدة الوحي بقصد التحقق والتخلق.
2-الشكر والتقدير للسيد المدير العام لمعهد الإمام نافع لما يوليه من حرص وعناية بالتعليم العتيق وحمل همه على وجه التحقيق، سيدي محمد السعيدي حفظه الله تعالى وعجل بشفائه.
3-ولوزارة لأوقاف والشؤون الإسلامية ممثلة في مديرية التعليم العتيق التي ما فتئت تحرص على رعاية مصلحة هذا التعليم تنفيدا للتوجيهات السامية لأمير المؤمنين محمد السادس نصره الله وأيده.
4 والشكر موصول للسيد المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية لجهة طنجة تطوان الحسيمة وكل العاملين بالمندوبية، وللسيد رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة وسائر العاملين بالمجلس، على التعاون والتنسيق المشترك في خدمة هذا التعليم وأهله.
5-للسادة الحاضرين والمحاضرين والمحضرين لما بذلوه من جهود تحقق بفضل الله تعالى على يدهم ككثير مما علق على هذه الندوة من الآمال والوعود.
6-لكل المحسنين المنفقين الذين حباهم الله تعالى بحب دينه وحب أهله من العلماء والطلبة وحب الإنفاق عليه وإيثار ما آثره الله تعالى، وعلى رأسهم المحسن الكريم الحاج امحمد أربعي. فحفظهم الله تعالى وبارك فيهم وفيما وهبهم من النعم.
وفي الأخير نسأل الله العلي الكبير أن يبارك في الجميع.
صور: